تحليل الواقع المقدسي

تحليل الواقع المقدسي

تحليل الواقع المقدسي.. الاحتياجات والتحديات 

تعاني المدينة المقدسة ولسنوات طويلة منذ الاحتلال الاسرائيلي من التهميش والإهمال والاستهداف، لطمس الهوية الفلسطينية للمدينة المقدسة، وإضعاف النسيج الاجتماعي للمقدسيين، بالإضافة إلى إهمال البنية التحتية والخدماتية والقدرات الاقتصادية للمدينة. في هذا الفصل نتعرض بشكل مقتضب لواقع المدينة من عدة نواحي، بهدف الإشارة إلى الاحتياجات والأولويات التنموية.

التعليم

منذ سنين طويله تعمل سلطات الاحتلال الإسرائيلي وبشكل ممنهج على استهداف التعليم في المدينة المقدسة، لمحو الهوية العربية والفلسطينية للمدينة. وتستهدف السلطات الإسرائيلية كامل للعملية التعليمية في القدس المحتلة، من خلال محاولة فرض المناهج الإسرائيلية على المؤسسات التعليمية في القدس الشرقية المحتلة، لمحو الهوية العربية ومحاولات إذابة المجتمع المقدسي في المجتمع الإسرائيلي.
وتتمحور المشاكل التي تعاني منها جميع مستويات التعليم في ضعف إعداد وتدريب المعلمين وتدني رواتبهم، خاصة بالمقارنة مع نظرائهم في المدارس التابعة للبلدية الإسرائيلية، وضعف البنية التحتية، و اكتظاظ الصفوف الدراسية وعدم توفر الشروط الصحية والسلامة فيها، والمنافسة مع الخدمات التعليميّة التي تقدّمها البلديّة الإسرائيليّة، والتي تٌستغل من الأخيرة لتدريس مناهج تتحكّم بمضمونها؛ وكذلك في نقص التجهيزات خاصة بمؤسسات  التدريب المهني وضعف التنسيق فيما بينها، وحاجة البرامج الجامعية والتدريب المهني إلى التطوير المستمر، لمواكبة احتياجات سوق العمل لزيادة نسبة توظيف الخريجين. فتدني جودة النظام التعليمي الناجم عما سبق، أدى إلى تسرب نسبة كبيرة من أفضل المعلمين إلى المدارس التابعة للبلدية الإسرائيلية، وترافق هذا مع ارتفاع نسبة تسرب طلاب المرحلة الثانوية التي وصلت إلى 40%.

التراث والثقافة

يعاني هذا القطاع من الإهمال الذي يشمل جميع النشاطات الثقافيّة، ومن ضعف العناية بالصروح التاريخيّة والمعماريّة المقدسية والتوعية بأهميتها، رغم ارتباط هذا الأمر بتعزيز هويّة وانتماء أهل القدس وما فيه من مقاومة لسياسة تهويد الأرض والإنسان. وقد تأثرت المباني التاريخية والدينية داخل الحرم الشريف وفي محيطه سلبا، بسبب الحفريات الإسرائيلية المستمرة مخالفة بذلك القوانين الدولية للحفاظ على التراث، مما دعا منظمة اليونيسكو لوضع مدينة القدس على لائحة التراث العالمي المهدد بالخطر. ونظرا للنقص الحاد في التمويل، تفتقر المتاحف والنوادي الشبابية والمكتبات إلى البنية التحتية وإلى الكوادر الإدارية المؤهلة.

الوضع الاقتصادي

يعتمد اقتصاد مدينة القدس على السياحة والتجارة في المقام الأوّل، وتبرز هنا أهميّة دعم وتطوير المؤسّسات التجاريّة والسياحيّة للمدينة، خاصة وأنه لا يحصل سوى 40% من سكان القدس على الحد الأدنى للأجور، بينما يعتبر 64% من العائلات فيها تحت خط الفقر. ويعاني جميعهم من الضرائب الإسرائيليّة الباهظة ومن سياسات فصل القدس عن سائر الضفّة الغربيّة، وهي التي يرتبط اقتصادها تاريخيا وبنيوياً بتدفّق السكّان من مدن الضفّة الغربيّة للتسوق والتعبد فيها.
بسبب بناء الجدار الفاصل- العازل حول المدينة المقدسة المترافق مع منع أهالي الضفة الغربية من الدخول إلى شرقي القدس، انخفض عدد المتسوقين إلى 40% مما كان عليه سابقا وازدادت تبعية الاقتصاد المقدسي لإسرائيل، وغدا أكثر من 40% من العمال المقدسيين يعملون لدى الإسرائيليين. وفي ظل المنافسة الشديدة مع نظرائهم الإسرائيليين المتزامن مع عدم تمكنهم من تسديد القروض البنكية إثر تدهور الوضع السياحي في المدينة المقدسة، اضطر معظم أصحاب الفنادق إلى إغلاق نزلهم، الأمر الذي فاقم من حالة التدهور الاقتصادي.

الوضع الاجتماعي

نتيجة الوضع الاقتصادي الصعب وسياسات الاحتلال الممنهجة لإضعاف البنية الاجتماعية للمقدسيين، تعاني مدينة القدس من وضع اجتماعي صعب مع ازدياد معدلات الفقر والبطالة والادمان على المخدرات وخاصة بين الشباب وانهيار الطبقة الوسطى في المدينة وسوء الخدمات التعليمية والصحية والاجتماعية. يتصف الوضع الاجتماعي بتفكك النسيج المجتمعي، ويعيش شباب القدس في وضع مأساوي من بين آفاته الإدمان على المخدّرات والبطالة والفقر المدقع، وانعدام الشعور بالأمن والأمان، إضافة إلى مشاكل أخرى تستهدف الهويّة العربيّة الفلسطينيّة.

الأراضي والإسكان

يضيق الاحتلال على سكان المدينة في مجالات الوضع القانوني لملكية الأراضي وتخصيصها للإسكان واستصدار رخص الأبنية ويصعّد من وتيرة مصادرة الأراضي وهدم البيوت. فقد صادرت إسرائيل بشكل مباشر 34% من أراضي القدس الشرقية، وجمدت 44% منها تحت شعار المناطق الخضراء التي يحظر فيها البناء، وخصصت 9% لتوسيع المستوطنات؛ بينما تركت 13% فقط للأحياء العربية. ويؤدي الارتفاع المستمر في أسعار الأراضي بسبب تعدد الضرائب وارتفاع الطلب وثبات العرض، وربما نقصانه، إلى إعاقة الاستثمار في قطاع الإسكان في المدينة وازدياد الازدحام فيما هو قائم فعلا من أبنيتها. وعلى صعيد هدم البيوت، قامت البلدية فعلا بهدم أكثر من ألفين وخمسمائة بيت إضافة إلى أكثر من ألفي أمر هدم لبيوت تمت إقامتها ولم تهدم بعد.

الصحة

يعاني القطاع الصحي في القدس من مشاكل عديدة، أهمها محاولة سلطات الاحتلال الاسرائيلي إضعاف والسيطرة على مؤسسات الرعاية الصحية وبالذات مستشفيات القدس. حيث تلعب مشافي القدس دور هام في نظام الرعاية الصحية الفلسطيني حيث تقدم الرعاية الصحية في أعلى مجالات الاختصاص (الثانوية والثالثية) ليس فقط لسكان القدس بل لجميع المرضى المحولين من الضفة الغربية وقطاع غزه. و تتعرض خدمات الرعاية الصحّية الأوليّة والثانويّة (المستشفيات) وكذلك الصحّة النفسيّة والعقليّة للعديد من الإشكالات خاصة على صعيد المنافسة مع الخدمات الصحية الإسرائيلية، الأمر الذي يؤكد ضرورة تعزيز استقلال المؤسّسات الصحيّة في القدس عن صندوق المرضى الإسرائيليّ وتطوير مستوى الخدمات فيها.
ومن بين الإشكالات العديدة يتعين على المستشفيات والمراكز الصحية في القدس الشرقية التقيد بالقوانين الإسرائيلية، التي تتشدد في منح الرخص وتفرض الضرائب المرتفعة، ما أدى إلى تفاقم المشاكل المالية المتبوعة بنقص في الموازنات. كما يجبر التأمين الصحي الإلزامي المؤمنين على مراجعة المراكز الصحية التي تجيزها إسرائيل فقط. وعلى أرض الواقع، فان المراكز الصحية العاملة في القدس الشرقية تعمل بإمكانيات محدودة إذا ما قورنت بنظيراتها الإسرائيلية، وذلك من حيث عدد الأجهزة الطبية وحداثتها وأعداد الموظفين وكفايتهم و جودة الأنظمة المتبعة فيها.
أما على مستوى الصحة النفسية والعقلية، فإن العائلات الفلسطينية تعيش في مستويات غير مألوفة من الرعب والتوتر والعنف في ظل المداهمات الإسرائيلية، والظروف الاجتماعية والاقتصادية المتردية.

المؤسسات والدعم القانوني

إن المؤسّسات الأهلية في القدس هي الأداة الأهم لتنفيذ المشاريع والنشاطات في  المدينة، ويحظر على السلطة الفلسطينيّة العمل مباشرة في المدينة. إضافة عن تطوير هذه المؤسسات وتعزيز دورها يلزم دعم الجانب القانوني والإعلامي في القطاعات السابقة. وقد تعرضت المؤسسات الأهلية بدورها لاستهداف الاحتلال الإسرائيلي، الذي أغلق 23 مؤسسة تعمل في القدس. وأدى إحكام جدار الفصل العازل حول القدس، إلى رحيل 25 مؤسسة مقدسية عن القدس إلى مناطق مجاورة في الضفة الغربية، أبرزها مدينة رام الله القريبة من القدس.
وبسبب التكلفة العالية للخدمات القانونية في المدينة، يحجم العديد من المقدسيين عن متابعة قضايا مرتبطة بحقوقهم في المدينة، خاصة في مجال هدم البيوت وسحب بطاقات إقامتهم.